سيرة منسية من ذاكرة الفن المصري

Wednesday, February 09, 2005

سلسلة القوى الخفية


هي خلاصة للغوص في بحار عدد من العلوم والفلسفات الشرقية والغربية، بعضها يضرب في القِدَم إلى أبعد عهود الحضارة، وبعضها
يدين بالفضل إلى أحدث اكتشافات معاهد العلوم الماورائية الحديثة
 Paranormal Sciences .
كنت قد عكفت طوال تسع سنوات، هي الفترة من عام 1996 وحتى 2005 على جمع ودراسة كل ما يتعلق بالتراث الغيبي في العالم، و قد وفقني الله للعثور على مصادر موثوق بها، تنوعت ما بين كتب ومخطوطات محققة وغير محققة، على الرغم من تشتتها وتبعثرها بين دور الكتب والمتاحف والمكتبات العالمية، كما تيسر لي الاتصال بعدد من الباحثين وكبار الكتاب المتخصصين في هذا المجال، لم يدخروا وسعاً في سبيل إمدادي بالمعلومات ومصادر البحث في هذا الحقل العلمي الوعر والمثير في آن .
كما كان للتجربة العملية أكبر الأثر في تحويل الجانب النظري إلى مبتغاه الأساسي – فالمحك الحقيقي لأي نظرية هو الجانب التطبيقي منها – حيث مارست بنفسي عدداً من الرياضات النفسية والذهنية والبدنية، التي ساهمت في شحذ طاقاتي، ومن هذه الرياضات: "هاتا يوجا
" Hatha Yuga ،
" راجا يوجا " Raja Yuga ،
 " كونداليني يوجا " Kundalini Yuga
 و" الأوتوترينينج " Auto Training أي ( تدريبات الشحن النفسي الذاتي المولد للطاقة ) .
وقد آثرت أن أبث بعضاً من ثقافة هذا المجال في المكتبة العربية لعدة أسباب، من أهمها :
1- إفادة أكبر عدد ممكن من القراء عن طريق نشر هذا اللون من المعرفة ذات الفائدة الكبيرة .
2- اللحاق بركب المكتبة الدولية في هذا المجال، الذي أصبحت تؤلف فيه ملايين الكتب والنشرات والدوريات، وتؤسَّس من أجله المعاهد والمعامل ومراكز التدريب والعلاج على مستوى العالم، في الوقت الذي ما زلنا فيه للأسف الشديد خارج نطاق الركب العالمي، وتكاد المكتبة العربية تخلو من الدراسات الجادة الرصينة في هذا المجال، فيما عدا المؤلفات المعتادة والتي لا يتعدى معظمها في نظري مجال الإثارة وقصص الخوارق وأدب الخيال العلمي !
3- العودة بهذه العلوم والفلسفات إلى ما يليق بها من رصانة الكتابة العلمية، محاولةً لتخليص مفهوم "العلوم الغيبية" و"العلوم الماورائية " من اشتباكات ومغالطات الجهل، التي خلطت بينها وبين ألاعيب الدجالين وحيل السحرة، وهو الأمر الذي أدى للأسف – إلى جانب أسباب اجتماعية واقتصادية أخرى تخرج عن نطاق هذا الكتاب – إلى استشراء خطورة هذا القطاع الجاهل من المشعوذين الذين يتاجرون بجراح الناس، ويبتزون أوجاعهم وأحلامهم، بل وينجحون أحياناً في اختراق عقول المثقفين !
وقد آليتُ على نفسي أن أشرع بعون الله في كتابة سلسلة من الدراسات، التي تغطي المجالات المختلفة لعوالم القوى الماورائية تحت مسمى "سلسلة القوى الخفية"، بحيث تصدر تباعاً في هيئة كتب مسلسلة، لكل منها عنوانه وموضوعه الخاص، الذي يسبر جانباً من موضوعات هذا العالم الخفي .
و لما كنت أتمنى لهذه السلسلة أن ترى ذيوعاً وانتشاراً بين كافة طبقات القراء والمثقفين، فقد قمت بتخليص نظريات هذه العلوم من التعقيدات الفلسفية – وبعضها موغل في الصعوبة – كما حصرت كلاً منها في موضوعه ميسراً، مقدماً خلاصتها للقارئ دون تهافت في التبسيط، ليتمكن الجميع من الاستفادة منها على تنوع مستوياتهم التعليمية والثقافية .
ياسر منجي
القاهرة في 20/12/2004

كلمة لابد منها
الكتابة في مجال الخوارق و العلوم الغيبية مغامرة محفوفة بالمتاعب – لاسيما في مجتمعاتنا الشرقية – لعدة أسباب جعلت من رواد هذا المجال - القديم والحديث في نفس الوقت – هدفاً مستمراً للسخرية والشكوك والهجوم، وفي أحسن الأحوال الشفقة المشوبة بالتندُّر و التفكُّه .
ومن أهم هذه الأسباب المتعددة :
1- أن مجال العلوم الغيبية – كما يتضح من اسمه – يختص بهذه الفئة من العلوم والطاقات التي تنتمي إلى مجالات وحقول وترددات فائقة من الطاقة، يتعدى مداها قدرة الحواس البشرية على الإدراك، ومن ثم فهي تمر بها مرور الكرام، دون أن تعيرها التفاتاً، إلا في الحالات التي تكون هناك ضرورة ملحة لإحداث اتصال بين الوعي البشري وبين الأنواع المتعددة لهذه القوى والطاقات .
ولما كان الإنسان عادةً قد تعلم منذ طفولته ألا يثق إلا بما تمليه عليه حواسه، بما تلمسه وتشمه وتراه وتسمعه وتتذوقه من آثار العالم المادي، فقدَ إنسان العصر الحديث عشرات من الحواس التي كان يتمتع بها أسلافه البشريين، من أبناء الحضارات السابقة، الذين أصبحت تفصلنا عنهم عشرات الآلاف من السنين، والذين تفهموا جيداً طبيعة هذه القوى – كما سوف نرى – بل وطوعوها لبناء حضاراتهم التي مازالت معظم أسرارها المذهلة عصية على الشرح والتفسير .

2- اعتماد مناهج العلوم التجريبية على المشاهدة وتسجيل النتائج، التي تتحقق مادياً ومعملياً، مما صبغ عصرنا الحديث بأكمله بهذه الصبغة المادية، وذلك نظراً لتغلغل العلم التجريبي وتطبيقاته "التكنولوجيا" في حياتنا المعاصرة بشكل كاسح، فأصبح اعتماد الناس حالياً في غالب نشاطات حياتهم على الأجهزة والآلات، التي ساهمت في إخماد عدد كبير من الملكات والمهارات التي كان يتطلبها الاعتماد على قدرات الإنسان، مما جعل بعض الدراسات النفسية تتنبأ بفقدان الإنسان لمعظم ملكاته في عصر قريب، بتأثير التقدم المريع للتكنولوجيا. ومما دعم الأمر أن العلم الحديث بمناهجه السابقة الذكر – والتي لا ينكر أحد فضلها رغم ذلك في تيسير سبل الحياة – قد أثر في طريقة تفكير الإنسان المعاصر ذاتها، فنتج عن ذلك عدد من المفاهيم و الجمل الشائعة، التي تشيع في قطاع المثقفين، ثم لا تلبث بقية قطاعات المجتمع أن تتلقفها منهم لترددها ترديد الببغاوات مثل: "أنا إنسان متعلم، لا وجود للغيبيات"، أو "أنا مثقف، التفكير الغيبي تفكير متخلف"، فماذا يقول هؤلاء إذن إذا عرفوا – كما سوف تقرأ – أن كبريات معامل ومعاهد البحث العلمي الغربية قد فتحت مجالاً لدراسة واكتشاف هذا المجال (المتخلف!)، واعترفت به واعتبرت أن طاقاته هي بمثابة طاقات لم تكتشف قوانينها بعد؟!!
3- سيطرة الجهل والتخلف لحقبة طويلة على مجتمعاتنا الشرقية، لعدة أسباب، من أهمها الاستعمار الذي رزح الشرق تحت نيره فترات طويلة، من قِبَل مستعمرين وغزاة و(فاتحين) شتى، ما بين صراعات لأمراء المماليك في مصر والشام، واكتساح عثماني واحتلال أوربي... إلخ، مما ساهم في تكريس طباع التواكل والقدرية واللجوء للغيبيات في أسوأ صورها، ممثلةً في الاستعانة بالجن والعفاريت و التبرك بأضرحة الموتى، واللجوء للسحرة، واعتبار البلهاء والمعاقين ذهنياً من أولياء الله الصالحين. كل هذا التراث الأسود طغى للأسف على مفهوم عوالم القوى الغيبية، وطبعها بطابعه في أذهان القطاع الأكبر من أبناء الشرق، مما جعل الباحث فيها مجبراً دائما على شروح مطولة، يوضح فيها الفرق بين ما يبحث فيه من علوم رصينة وبين ألاعيب الحواة والدجالين .
و يثور الآن سؤال هام لابد منه، وهو: هل البحث في العلوم الماورائية مما يتعارض مع مفهوم الغيب كما يعنيه الدين؟
الإجابة المباشرة على هذا السؤال تتضح من الحديث الشريف الذي ورد بصحيح البخاري والذي نصه :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "مفاتح الغيب خمس: إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير" ( 1 ) .
هذه الأصول الخمسة للغيبيات، التي لا يجوز أن يدعي أحد المقدرة على الإحاطة بها، أو التنبؤ بما سوف يكون من شأنها، وهي كما نرى لا تدخل من قريبٍ أو بعيد في نطاق ما تنوي هذه السلسلة أن تبحثه، فنحن لا ننوي – معاذ الله – أن نصدر مصنفات تسفه من قيمة العقل، أو تتعارض مع أصل من أصول العقيدة، إنما الهدف الأساسي، كما سبق وأشرت، هو الأخذ بطرف من أسرار علوم وفلسفات اكتشفت في أسرار الكون قوانين أودعها الله فيه. هذه القوانين انتبه إليها عباقرة من الأسلاف، الذين أسهموا في بعث وازدهار الحضارة عبر العصور، بعضها اندثر بفعل الانهيار الدوري المعتاد للحضارات، وترك البعض الآخر بصيصاً من الإشارات والرموز التي كانت بمثابة علامات دالة، ساهمت في بعث هذه العلوم وإعادة كشفها من جديد، وهو الأمر الذي يسير فيه الغرب الآن بخطى حثيثة .
وربما يلتبس الأمر على البعض نتيجة لاستخدام لفظ "العلوم الغيبية" للإشارة لهذه العلوم، مما ينتج سوء الفهم والخلط بينها وبين مفهوم "الغيب الديني" في ذهن القارئ، ولتوضيح ذلك أقول: إن ذلك من قبيل الدلالة الاصطلاحية، بمعنى أن كلمة "غيبية" هي عبارة عن مصطلح، يطلقه البعض على هذه العلوم والظواهر نظراً لطبيعتها "الخفية" أو "الكامنة"، ونظراً لأن قوانينها لم تكتشف كاملةً بعد، فهي ما زالت في رحم الغيب .
والمشتغلون بالبحوث الأكاديمية يعلمون معنى المصطلح تماماً، فالكلمة الواحدة قد يكون لها معنى ما في القاموس، ثم تستخدم استخداما دارجاً مغاير في المعنى من قِبَل رجل الشارع، ثم قد تستخدم استخداماً ثالثاً مختلفاً تماماً كمصطلح دال في علم من العلوم، وهذا هو ما ينطبق تماماً على لفظة "غيبية"، التي تستخدم كمصطلح من قِبَل علماء الدين، يدل على ما سبقت الإشارة إليه من علم يختص الله سبحانه وتعالى بمعرفته ويقصره على ذاته الإلهية و لا يشرك فيه أحداً من عباده .
و للابتعاد عن هذا الخلط تماماً فسوف أستخدم اصطلاح "العلوم الماورائية" للدلالة على ما أعنيه من هذه العلوم ذات المجالات الخفية من الطاقة، كما أفضل استخدام مصطلح "القوى الخفية" رغم ما يحويه من ظلال مثيرة للخيال .
ثم إن القصص القرآني لا ينفي أبداً إمكانية أن يتمتع بعض البشر بميزات وقدرات تمكنهم من اختراق عوالم القوى الخفية، واجتياز مسالكها الوعرة، بل إن بعض الآيات تنص على ذلك صراحةً، فيقول سبحانه وتعالى :
(( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلمناه من لدُنّا علما (65) قال له موسى هل أتَّبِعك على أن تُعَلِّمَن مما عُلِّمتَ رُشدا (66) قال إنك لن تستطيع معي صبرا (67) وكيف تصبر على ما لم تُحِط به خُبرا (68) قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمرا (69) قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أُحدث لك منه ذكرا (70) )) . الكهف 65- 70 .
فالآيات الكريمة السابقة تحدثنا عن لقاء سيدنا "موسى" عليه السلام بأحد الناس، الذين وصفهم الله تعالى بوصف [عبداً من عبادنا]، فلم تنص الآيات صراحة على أنه رسول أو نبي، بل هو إنسان كغيره، غاية الأمر أن الله تعالى آتاه [رحمةً] و[علمه من لدنه علما].هذه
الرحمة وهذا العلم جعلاه يستحق بجدارة أن يقوم بدور الأستاذ لواحد من أكبر الأنبياء والرسل، وهو "موسى" عليه السلام، بل وليستأذنه "موسى" في الصحبة، فيشترط عليه ذلك العالم شروطاً حتى يصحبه، ثم يكون من أمرهما ما تنص عليه باقي الآيات من أحداث يتمكن فيها هذا العبد العالم أن يهتك أسراراً ماورائية، يتصرف بموجبها تصرفات قد تبدو للوهلة الأولى غير عقلانية، وذلك طبقاً لحكم الحواس العادية و(التفكير المنطقي)، ثم نكتشف في ختام الآيات أنها هي عين العقل وعين المنطق، طبقاُ للقدرات التي أتيحت لهذا العبد العالم، والتي تصرَّف وفقاً لها .
والكتب المقدسة على اختلافها تحتشد بمئات من الآيات والنصوص، التي تصرح بأن الكون غير مقصور على هذا النطاق الضئيل، الذي تتعامل معه حواس البشر بشكل اعتيادي، بل إنها تدل صراحةً، في أكثر من موضع، على أن هناك عوالم متعددة ذات قوانين و طاقات وظواهر وأحداث تتجاوز قدرة التصور البشري .
والآيات سالفة الذكر كثيرة، لدرجة أن حصرها يخرج بنا عن نطاق هذه المقدمة وموضوعها، ولكن نتوقف هنا عند إحدى آيات سورة الذاريات، والتي تصرح :
(( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" الذاريات (4") .
وهو الأمر الذي يسري على كل شيء في الكون، بما فيها المادة ذاتها، فالكون المادي يتضمن الطاقة بشتى صورها، المعلومة والتي ما زالت في طي المجهول، بنفس الشكل الذي يتضمن به المادة بصورها وعناصرها المختلفة، فالعالم إذن عالمان أو زوجان: عالم المادة و عالم الطاقة .
 * * * *
(1) صحيح البخاري ، دار الكتاب اللبناني ، الجزء الرابع ، ص 71 و أيضا ص 99 .